ليست هذه المرة الأولى التي يُطرح فيها مثل هذا القانون في الجزائر، إذ تعود أولى المبادرات إلى عام 2005.
يستعد البرلمان الجزائري الأسبوع المقبل لمناقشة مقترح قانون يقضي بـ "تجريم الاستعمار الفرنسي" للبلاد خلال الفترة الممتدة بين 1830 و1962، في ظل أزمة دبلوماسية متصاعدة بين البلدين.
وأفاد المجلس الشعبي الوطني الجزائري (الغرفة الأولى للبرلمان) في بيان أن الجلسة المخصصة لمناقشة المشروع ستعقد في 21 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
وأوضح البيان أن الجلسة ستتضمن مناقشة مقترح قانون يتضمن "تجريم الاستعمار الفرنسي" للجزائر، وتشمل تقديم المقترح والتقرير التمهيدي، إلى جانب تدخلات رؤساء المجموعات البرلمانية.
وهذه المرة الأولى التي يناقش فيها البرلمان خلال جلسة علنية، مقترح قانون يتعلق بـ "تجريم الاستعمار الفرنسي" للجزائر طيلة 132 سنة.
لجنة برلمانية
تولت لجنة برلمانية مكونة من سبعة نواب، ستة منهم يمثلون الكتل البرلمانية داخل المجلس الشعبي الوطني، إضافة إلى نائب دون انتماء حزبي، صياغة مقترح القانون.
وأشرف رئيس المجلس الشعبي الوطني، على تنصيب هذه اللجنة في 23 مارس/ آذار الماضي.
وقال رئيس البرلمان إبراهيم بوغالي، إن هذه الخطوة تأتي "تجاوبا مع إجماع كل التيارات السياسية حول هذا الموضوع، تكريما لذاكرة أسلافنا الميامين من جيل المقاومة إلى جيل ثورة التحرير المجيدة".
تفاصيل المبادرة
بحسب بيان المجلس الشعبي الوطني، سيعرض مقترح قانون "تجريم الاستعمار" للتصويت، إلى جانب قوانين أخرى، في 24 ديسمبر الجاري.
ويهدف مشروع القانون الجديد إلى تسليط الضوء على بعض أحلك فصول تاريخ الجزائر، من بينها قضية تعذيب وقتل المحامي البارز علي بومنجل، وهي جريمة لم تعترف بها فرنسا رسميًا إلا في عام 2021.
وكانت فرنسا قد صنفت وفاة بومنجل سابقًا على أنها انتحار، قبل أن يكشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاحقًا أنها كانت نتيجة تعذيب.
كما تضم القائمة التي أعدها المجلس الشعبي الوطني مجازر "محرقة جبال الظهرة" عام 1845، حيث أُحرق مئات الجزائريين أحياء داخل الكهوف، ومجازر 8 مايو/ أيار 1945 التي خلفت أكثر من 45 ألف قتيل واستخدام الأسلحة البيولوجية في الأغواط عام 1852، إضافة إلى التجارب النووية في صحراء الجنوب الجزائري، ما عرّض الناس للإشعاع.
"تجريم الاستعمار"
لكن ليست هذه المحاولة الأولى لتمرير مثل هذا القانون في الجزائر، حيث تعود أولى المبادرات إلى عام 2005، في رد على صدور قانون في فرنسا أشاد بـ "الدور الإيجابي للاستعمار"، دون أن يعقد اعتماد المشروع في ذلك الوقت.
وفي مارس/آذار الماضي، أعلن رئيس المجلس الشعبي الوطني، تنصيب لجنة خاصة لصياغة مقترح قانون "تجريم الاستعمار"، خلال أعمال يوم برلماني خصص لهذه القضية، وأوضح حينها أن اللجنة تضم ممثلين عن جميع الكتل البرلمانية.
ومن المقرر، بعد استكمال صياغته، عرض مشروع القانون على لجنة الشؤون القانونية في البرلمان، قبل إحالته إلى الحكومة للمصادقة عليه.
وفي حال إقراره، سيمثل القانون اعترافًا رسميًا بالجرائم المرتكبة خلال الحقبة الاستعمارية، ما قد يُجبر فرنسا على تحمّل مسؤولياتها، بما في ذلك احتمال تقديم تعويضات للضحايا.
لكن، وبحسب مشروع القانون، فإن اللجنة المكلفة بصياغته لم تحدد حتى الآن أي عقوبات محتملة على فرنسا.
أزمات متصاعدة
تأتي مناقشة البرلمان، لمقترح القانون في وقت تمر فيه العلاقات الجزائرية الفرنسية بواحدة من أسوأ الأزمات في تاريخ البلدين.
واندلعت الأزمة الأخيرة في صيف 2024 عندما اعترفت باريس بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، ما أثار غضب الجزائر الداعمة لجبهة البوليساريو.
وفي ردها، استدعت الجزائر سفيرها لدى باريس وألغت زيارة كانت مقررة للرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا.
من جهة أخرى، زادت التوترات بين البلدين بسبب الخلافات بشأن الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال الذي حُكم عليه السجن في الجزائر لمدة 5 سنوات، قبل إطلاق سراحه وترحيله بوساطة ألمانية بعد نحو عام من توقيفه.
وخلال الأشهر الثمانية الماضية، تبادل الطرفان تصريحات متشددة، من دون التوصل إلى قرارات ملموسة تنهي الأزمة.
ورغم التوترات الدبلوماسية المستمرة، لا تزال العلاقات التجارية بين البلدين قائمة، وإن كانت تشهد تراجعًا، لا سيما بعد استبعاد الجزائر للشركات الفرنسية من مناقصة استيراد القمح.
وفي أذار/ مارس الماضي، أبدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، للمرة الأولى، انفتاحًا على حل الأزمة مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، مشيرًا إلى استعداده للحوار بعد إقراره بوجود "لحظات سوء فهم" بينهما.
وقال تبون: "لكنه يظل رئيس الجمهورية الفرنسية. شخصيًا، يجب حل كل القضايا معه أو مع من يفوضه بشكل رسمي، وفي هذه الحالة وزير الخارجية".