تقرير منظمة التعاون لم يكتفِ بتسليط الضوء على الفجوة المتزايدة بين الأجور والضرائب، بل قدم أيضًا توضيحًا للدخل الحقيقي للعامل بعد تأديته التزاماته الضريبية تجاه الدولة.
كشف التقرير السنوي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الذي يقيّم ويقارن نظم الضرائب المفروضة على الأجور في دول الاتحاد الأوروبي، أن الدخل الحقيقي للعامل الأعزب العادي قد انخفض في عام 2024 مقارنة بعام 2023 في 7 دول أوروبية، وهي: إيطاليا، إستونيا، تشيكيا، فرنسا، اليونان، بلجيكا، وإسبانيا.. فما هي الأسباب؟
يوضح هذا الانخفاض تأثير الضرائب والتضخم على الأجور، إذ يبيّن الأموال المتبقية للعامل بعد خصم الضرائب منه، وبالتالي قدرته على الادخار أو الإنفاق.
ما الأسباب وراء انخفاض الدخل الحقيقي في هذه الدول؟
في عام 2024، ارتفع متوسط الأجور في إيطاليا بنسبة 3.9%، إلا أن معدل التضخم بلغ 1.2%، فارتفع متوسط الضرائب الشخصية والذي يشمل ضريبة الدخل ومساهمات الضمان الاجتماعي للموظفين بنسبة حادة بلغت 7.5%.
وقد أدى ذلك إلى خلق فجوة بين نمو الأجور الحقيقية والزيادة في الضرائب، مما أسهم في تآكل جزء كبير من المكاسب الناتجة عن ارتفاع الأجور.
وعن ذلك أشارت كريستينا إيناش، الخبيرة الاقتصادية العالمية في مجال الضرائب، إلى أن ارتفاع مساهمات الضمان الاجتماعي كان له تأثير واضح في هذه النتيجة.
تقرير منظمة التعاون لم يكتفِ بتسليط الضوء على الفجوة المتزايدة بين الأجور والضرائب، بل قدم أيضًا توضيحًا للدخل الحقيقي للعامل بعد تأديته التزاماته الضريبية تجاه الدولة.
في إستونيا وتشيكيا، على سبيل المثال، ارتفع متوسط معدلات الضريبة الشخصية بأكثر من 4.5%، مما أدى إلى انخفاض الدخل الحقيقي بعد الضريبة في عام 2024، حيث لم يكن نمو الأجور الحقيقية كافيًا لتغطية هذه الزيادة.
وتوضح الخبيرة الاقتصادية أن ارتفاع العبء الضريبي في إستونيا كان نتيجة إلغاء بعض البدلات الضريبية. أما في التشيك، فقد نتجت الزيادة أساسًا عن ارتفاع مساهمات الضمان الاجتماعي، سواء من قبل الموظفين أو أصحاب العمل.
وفي فرنسا، على الرغم من نمو الأجور الحقيقية بنسبة 0.7%، إلا أن متوسط معدل الضريبة الشخصية ارتفع بنسبة 1.7%، مما أدى أيضًا إلى تراجع الدخل الحقيقي بعد الضريبة مقارنة بعام 2023.
البرتغال وبريطانيا وتركيا تتصدران قائمة الدول ذات أعلى زيادة في الدخل الحقيقي
في المقابل، ارتفع الدخل الحقيقي في البرتغال وبريطانيا وتركيا بعد خصم الضرائب في الفترة ذاتها، إذ انخفض متوسط معدل الضريبة الشخصية في البرتغال بنسبة 8%، مما أدى إلى زيادة الأجر الحقيقي بنسبة 4.7%.
وتتابع إيناش لـ"يورونيوز"، قائلة: "خفضت البرتغال معدلات ضريبة الدخل للشرائح الضريبية الست الأولى، مما أدى إلى تقليل 'إسفين الضريبة'، أي الجزء الكبير من الدخل الذي يُقتطع بسبب الضرائب، وبالتالي أصبح متوسط الدخل الحقيقي بعد الضريبة أكبر".
أما في المملكة المتحدة، فقد انخفض متوسط معدل الضريبة بنسبة 8.7%، على الرغم من أن نمو الأجور الحقيقية كان محدودًا بنسبة 1.6%.
في تركيا، ورغم زيادة متوسط معدل الضريبة الشخصية بنسبة 3.9%، إلا أن الارتفاع الكبير في الأجور الحقيقية بنسبة 15.5% ساهم بشكل ملحوظ في زيادة الدخل الحقيقي بعد الضريبة خلال عام 2024، مقارنة بعام 2023. ومع ذلك، أشار بعض النقاد إلى اتهامات موجهة لمكتب الإحصاء الوطني بالتلاعب بأرقام التضخم.
ما معنى ارتفاع أو انخفاض "الدخل الحقيقي بعد الضريبة"؟
وتلفت إيناش إلى أن مصطلح "الدخل الحقيقي بعد خصم الضرائب" يعني الدخل الذي يحصل عليه الشخص بعد دفع الضرائب، مع تعديله بناءً على تأثير التضخم.
وتوضح أن انخفاض الدخل الحقيقي بعد الضريبة يعكس تراجع القدرة الشرائية للفرد نتيجة الضرائب والتضخم. وهذا التراجع بين عامي 2023 و2024 يعني أن العامل الذي يحصل على متوسط الأجر أصبح يملك موارد مالية أقل لتغطية نفقاته الأساسية.
ماذا يعني "زحف الشرائح الضريبية"؟
يُعرف "زحف الشرائح الضريبية" بأنه ظاهرة تحدث عندما يؤدي نمو الدخل إلى انتقال الأفراد إلى شرائح ضريبية أعلى، مما يزيد من معدلات الضرائب التي يدفعونها بمرور الوقت.
ويحدث ذلك عادةً نتيجة التضخم، الذي يدفع دافعي الضرائب إلى الوقوع في شرائح أعلى، أو يؤدي إلى تآكل قيمة الإعفاءات والخصومات الضريبية.
في هذا السياق، تشير الخبيرة الاقتصادية إلى أن تعديل ضريبة الدخل ومساهمات الضمان الاجتماعي بما يتناسب مع التضخم يمكن أن يحد من تأثير زحف الشرائح الضريبية، وبالتالي يخفف من تراجع الدخل الحقيقي للعاملين بعد خصم الضرائب.