Newsletterرسالة إخباريةEventsالأحداث
Loader

Find Us

FlipboardNabdLinkedinفايبر
Apple storeGoogle Play store
اعلان

الكوارث و الأزمات ..فصول في الإدارة الناجحة

الكوارث و الأزمات ..فصول في الإدارة الناجحة
Copyright 
بقلم:  Euronews
شارك هذا المقالمحادثة
شارك هذا المقالClose Button

الأزمة .. المفهوم والرؤية

تتسم الأزمة بالحدة والمفاجأة وهي متعددة الاتجاهات معقدة المناحي، مواجهتها تتطلب اعتماد إستراتيجيتين إحداهما نظرية وأخرى عملية. وفيما ينصرف الجانب النظري إلى تحديد الأطر العلمية لمجابهة المعضلة على اعتبار أن الأدوات الإجرائية هي علم قائم برأسه يسمى “إدارة الأزمات” وهو فرع من العلوم الإنسانية، يركز الجانب العملي على إدارة الموقف كحالة منفردة ترتبط بطبيعة الحال بالرؤى العلمية وتستند أساسا إلى المهارة التي يجب أن تتوافر عند من يسمى “متخذ القرار”.
وفق هذا التصور تكون الأزمة اختبارا صعبا لمتخذ القرار تنبئ بمدى صلابة الكيان الإداري أو هشاشته ومن ثم فإن “متخذ القرار” الماهر هو الذي يجابه الموقف الأزموي بروح الشفافية والوضوح وينأى بنفسه عن سلطوية القرار ومركزيته ليشاركه الجميع “فريق الأزمة” الوصول إلى الحل الأنجع سواء أصاب الهدف أو أخطأه .
على أن ثمة من يعتمد طريقة التضليل والتعتيم لأن الضغط الأزموي بنظره كاشف للمستور ومهدد للكيان الإداري ويطلق البعض على إدارة الأزمات إدارة الإرادات أي إرادة صنع الأزمة وإرادة التغلب عليها. (مبادئ إدارة الأزمات، الإستراتيجية والحلول،جاسم محمد وماجد سلام المهدي، دار زهران للنشر والتوزيع، عمان ص: 13 ).
يعنى الحديث عن إدارة أزمة وجود طاقم وهيكلية تسهر على إنجاز الهدف من خلال فريق دائم يتمركز داخل الإدارة وظيفته تسيير وإدارة الأزمات والكوارث ومنع حدوثها في المستقبل وحماية الأرواح والممتلكات باعتبارها مهمة جدا في عملية التنمية المستدامة تقوم الإدارة الرشيدة من خلالها بدراسة المخاطر والاستعداد لمواجهتها عمليا عن طريق التخطيط الفعلي والمستقبلي.

الأزمة والكارثة.. تداخل الاصطلاح

حين جرى الاصطلاح في حدود القرن الـ19 على أن إدارة الأزمات علم قائم برأسه يهتم برصد المتغيرات والمستجدات وتحليلها ودراسة مكوناتها واستخدام البيانات المناسبة كأساس للقرار المناسب، لم يسلم المفهوم من تداخل في الاستعمال كثيرا ما أبان عنه توظيف “إدارة الكوارث” بدلا عن “إدارة الأزمات”.. وحتى في البحوث الأكاديمية كثيرا ما ارتبط اصطلاح الأزمة بمفاهيم تدل على “الكارثة” و“الصدمة” و“المشكلة” و“الصراع” و“الخلاف” و“الحادثة” وهو خلط يجعل الكارثة والأزمة عنوانا لمدلول واحد لكن الذي نميل إليه أن الكارثة مسبِّب لأزمات (زلزال يسبب أزمة لاجئين ).
هذه الرؤية تفرض أن نتحدث بشيء من التفصيل عن مفاهيم ارتبطت في الذهنية غير المتخصصة بالغموض والالتباس لتبدو حدود الاصطلاحين (الأزمة والكارثة) زئبقية الدلالة أحيانا ومتنافرة في أحايين أخرى.. وهو ما وعاه الدكتور حمدي شعبان في كتابه (الإعلام الأمني وإدارة الأزمات والكوارث.. الشركة العربية المتحدة للتسويق،القاهرة، 2005 ..ص 93) حين وضع الجدول التوضيحي التالي لرسم معالم واضحة للاثنين:
عناصر المقارنة
المفاجاة: تصاعدية الأزمة+ كاملة الكارثة
الخسائر: معنوية الازمة +كارثة بشرية و مادية
أسبابها: إنسانية + الكارثة ، طبيعية غالبا و أحيانا إنسانية
التنبؤ بوقوعها: ممكن+ اما الكارثة فمن الصعب جدا التنبؤ بها
الضغط على متخذ القرار: ضغط و توتر عال+بالنسبة للكارثة، تفاوت في الضغط تبعا لنوع الكارثة .
المعونات والدعم: الازمة احيانا بشرية + الكارثة: غالبا و هي معلنة
انظمة و تعليمات المواجهة: الازمة داخلية + الكارثة محلية و إقليمية و دولية (أنظمة الحماية المدنية )

الأزمة كمحفز للتغيير

فجائية الأزمة تهدد الكيان الإداري، لكنها تبين مدى قدرته على المقاومة والخروج من “المأزق”. فالموقف الأزموي، وإن كان مدمرا في حد ذاته، يمنح في جانبه الخفي مجالا للتغيير نحو الأفضل، فهو يعمق الخبرات ويثمن التجارب الراهنة بوضع الحلول الناجعة للأزمات المستقبلية ولا يتأتى هذا إلا بوجود هيئة إدارية تسهر على التحليل الدقيق للموقف الحرج فتصف ميكانزماته وتقارنه بمواقف سابقة. من المفاهيم التقليدية التي شاعت وذاعت في الناس قديما وحديثا أن غضب الطبيعة هو تعبير عن غضب الآلهة جراء استشراء الفساد لكن أهوال الطبيعة ذاتها هي التي خلصت البشرية والسوفيات ذات يوم من زحف جيوش النازيين، نتيجة البرد القارس الذي وقف حاجزا منيعا أمام تقدم قوات هتلر وكان إيذانا بسقوط ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية .

الأسس النظرية

للموقف الأزموي منحيان اثنان، مادي كأزمة الغذاء والسيولة النقدية أو معنوي كأزمة الثقة.. وحتى لا توصف معالجة الأزمة بالارتجالية يتحتم أن يقيم تشخيصها كبير وزن للمناهج العلمية، وهناك خمسة مناهج يمكن القول : إنها منحت إدارة الأزمة طابع العلمية:
المنهج الوصفي: يشخص الأزمة في زمن بذاته ويحدد ملامحها ومظاهرها من منطلق أنها نتاج تفاعلات لعوامل نشأت قبل ظهورها وهذه مقاربة برأينا ناجحة لأنها تطرح تصورات المعالجة وأدوية العلاج .
المنهج التاريخي: ويبحث في جذور الأزمة وماضيها، باعتبارها تراكمات الزمن وليست اعتباطية .
منهج دراسة الحالة: ويهتم بدراسة كل أزمة على حدة، باعتبارها حالة مستقلة، لا تشبه أزمات أخرى، وهذه الخصوصية تؤدي إلى إعطاء تحليل كامل للعوامل والمتغيرات التي تسببت في نشوء الموقف الأزموي. ومن مزاياه أنه يقود إلى معلومات أكثر دقة وعمقا وأنه يتصف بالشمول لمواجهة الضغط الأزموي، غير أنه لا يمنحنا إمكانية تعميم النتائج نظرا لارتباطه بالخصائص الفردية .
منهج التحليل المقارن: وهو يقارن زمنيا بين حالتي أزمة (أزمتا الـ1929 و2008 الماليتان)، أو مكانيا في (فرنسا و الجزائر مثلا)، والهدف واحد وهو الوصول إلى أوجه الاتفاق والاختلاف.
المنهج المتكامل: ويعتمد استخدام المناهج السابقة ويحدد الأطر العامة والخاصة للأزمة وم ثم فهو يتصف بأنه شمولي وخصوصي، يعالج العموميات في الأطر الزمانية والمكانية .
إن الأسس النظرية الموسومة أعلاه هي أسس ثابتة وتطبيقها برمتها أمر غير كاف، لأن التصنيف والتقسيم والمنهجية، عمليات ضرورية للوصول إلى النتائج المرجوة، بعيدا عن اعتباطية الطرح وعشوائية الافتراضات وزئبقية الطروحات و المفاهيم . لكن “ واقع الحال” كثيرا ما يفرض رؤى اجتهادية يتطلبها الموقف الأزموي .
الأسس العملية لمواجهة الأزمة
يتجلى المنطق العملي في أن ثمة استعدادا مخططا له مسبقا لدى إدارة الأزمة يستوفي مناحي التدريب والتهيئة البشرية واللوجستية لتحديد الأسباب الداعية لاندلاع الأزمة ووصف الحالة عن كثب ومقارنتها ورسم الرؤى المستقبلية والنتائج المترتبة عن حدث معلن أو مضمر من شأنه أن يطفو على السطح فجأة ويربك الكيان الإداري.
ولا مناص هنا من أن يضع هذا الكيان إستراتيجية محكمة لتجنب “مصدر الخطر “ فيستشرف المستقبل بناء على معطيات الأزمة وتداعياتها وأبعادها “الأخطبوطية” أو أن يتجاهل الموقف، مكابرة أو لنقص في أجهزته المفهومية الإدارية Appareil conceptuel “ “ وهنا يبرز ما نسميه نحن ب “الأزمة النائمة” وهي أخطر الأزمات لأنها تتشعب بسبب امتداداتها وعملها الفاعل في الخفاء وعندئذ (لا بد للمكبوت من فيضان).
إن الأساس الذي يرتكز عليه هنا هو مبدأ تقدير الموقف، وهو برأينا فن ومهارة وإبداع تنم جميعها عن قدرات على اتخاذ القرار الجيد في وقت أسرع لاحتواء الموقف الأزموي.
ويجب أن نعترف هنا بأن مبدأ روح الانتماء للمؤسسة، يلعب دورا كبيرا لدى الكادر البشري في علميات تكاثف الجهود للخروج من “المأزق” عبر حفز فريق العمل للتصرف كخلية نحل لبلوغ هدف سام وهو القضاء الكلي على الأزمة و تداعياتها أوأسبابها في مختلف تجلياتها، بأقل الخسائر وبقاعدة “خطأ صفري” .
سيناريوهات التعامل مع الموقف الكارثي (الكوارث الطبيعية نموذجا)
وللتعامل مع الموقف المتأزم نرى في استقراء الجوانب المختلفة لهذا الموقف ضرورة:
القيام بتدريبات افتراضية، ذلك أن ساكنة العاصمة اليابانية خصصوا بعد زلزال المدينة الشهير في 1976 أسبوعا سنويا يدعى “أسبوع الاستعداد لمخاطر الزلزال السنوي” يقوم فيه الأهالي بتخزين المواد الغذائية والماء ويتدربون على الهروب عبر منافذ الطوارئ .
اعتماد أسلوب المحاكاة، لتبني تصور مستقبلي للأزمة المتوقعة وإحداثياتها وقياس التصرفات الناجمة عن المواجهة ورسم السيناريوهات و الخطط البديلة.
وضع خطط مسبقة، وهو ما لا نلحظه في تعامل المصريين مع كارثة من هذا النوع إذ لم يوضع كود زلزالي إلا بعد وقوع زلزال 12/10/1992 .
تخصيص الدولة لغلاف مالي لمجابهة “ما يحدث مستقبلا” انطلاقا من أن الخسائر التي يحدثها زلزال صغير تبلغ عشرات أضعاف ما ينفق لإجراء الدراسات الزلزالية ورسم خرائط أماكن بؤر وقوع الزلازل.
التعبئة الجماهيرية، فأثناء الزلزال ينصح بعدم الوقوف في الشرفات والابتعاد عن السلالم ومآذن الجوامع تحاشيا لانهيارها والابتعاد عن الأشجار وأعمدة النور والممرات المزدحمة والجسور المعلقة والآبار والحفر وجمع أفراد الأسرة تحت منضدة واحدة ووضع المريض تحت السرير.
إخلاء المنطقة من السكان كما حدث في ثورة بركان “ساكوراجيما” في اليابان العام 1914 فتم إخلاء الجزيرة من مناطق الخطر فكانت الخسائر ضئيلة جدا.
فتح قنوات اتصال مع إدارات الدولة.. الشرطة والدفاع المدني مثلا وتخصيص خط ساخن لاستقبال مكالمات المنكوبين والمتضررين ومساعدتهم.
اختيار الحلول الجزئية والتدريجية في المواجهة، باعتبار أن القضاء على الموقف الأزموي كليا، أمر بعيد المنال.. فمحددات الاستراتيجية الأمنية، تقتضي الحصول على “الصيد الثمين” باستدراج المجرم وكشف شبكاته قبل التدخل السريع للتخلص منه.
التصدي للأزمة، أولا ثم تحليل ظواهرها وأسبابها ثانيا، وليس من شك في أن هذا التصدي يجب أن يكون عبر فرق العمل واللجوء إلى متخصصين قانونيين أو ماليين أو سياسيين أو اقتصاديين.
التخطيط الاستراتيجي:
يمر التخطيط الاستراتيجي للتعامل مع الموقف الأزموي بالضرورة عبر أربع خطوات لكل منها خصوصيتها وتتحدد تلك الخصوصية انطلاقا من النسق الذي تبنى عليه وفقا للمراحل التالية:
المرحلة التحذيرية: وخلالها يجب وضع الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة وبحث السبل الكفيلة للمعالجة الميدانية.
مرحلة بروز الضغط الأزموي: وفيها تتعين السيطرة على إرهاصاته والتبليغ عنه
مرحلة انفجار الأزمة: وفيها يتم وضع السيناريو الأسوأ وكيفية الخروج من المأزق
مرحلة انحسار الأزمة وانفراجها: وتعني العودة إلى التوازن الطبيعي، والاستفادة مما حدث والتصرف انطلاقا منه واعتماد استراتيجيات مستقبلية بخسائر منعدمة وأخطاء صفرية.
الأبعاد السياسية والاجتماعية في إدارة الأزمة
الأزمة إذا باعتبارها عنصرا فاعلا في البيئة التي أنتجتها، تؤثر في سمعة الكيان الإداري بل وتهزه.. ومن الضروري وفقا لهذه الرؤية أن تكون جميع الإدارات الحكومية والخاصة تحتوي على كيان مستقل بذاته (إدارة أو خلية أزمة) مهمتها الأساسية تسيير الأزمات والتنبؤ بوقوعها وتقديم خريطة طريق واضحة المعالم للتعامل معها حال وقوعها.
حين يتم ذلك فإن تلك الخطوة ينبغي أن تتكرس أكثر بقرار سياسي يعزز الأداء ويستهدف في الوقت نفسه تحديد سقوف زمنية يتم من خلالها وضع الآليات والميكانزمات الكفيلة بجعل المبادرة تترجم أرض الواقع، هذا القرار السياسي يجب أن يتخذ على أعلى مستوى لضمان دخول تلك المبادرة حيز التنفيذ.
فالكيان الإداري قد يكون على علم ببواعث أزمة اجتماعية مثلا، لكنه يتجاهلها لسبب أو لآخر أو لأنه لا يعتبر حلها أولوية آنية.. نضرب مثلا أزمة الضواحي الباريسية التي اندلعت في نهاية 2005 وقاد عمليات الشغب فيها مهاجرون يسكنون في مناطق معزولة، عبروا عن رفضهم للتهميش والإقصاء، إذ لم تأت طفرة واحدة بل كانت أزمة مكبوتة ظهرت إرهاصاتها قبل زمن من اندلاعها وتنبأ بها خبراء. نحيل هنا إلى كتاب “الضواحي الباريسية، مئة وخمسون عاما من التحولات” لفرانسواز سولينياك 1993” La banlieue parisienne: cent cinquante ans de transformations, 377Françoise Soulignac

وهنا تبرز ضرورة التنبه إلى خطر أشرنا إليه أعلاه يتمثل في “الأزمة النائمة” وهي تتشكل وتنمو تدريجيا حتى تصل درجة الانفجار…
تلك الأزمة التي وصفت بالمتعددة الأبعاد كان لها وقع شديد على صورة فرنسا كبلد يرفع شعار (حرية، مساواة، أخوة) لتضطر إلى اعتماد مخطط سياسي يرمي إلى إعادة إدماج المهمشين والمهاجرين في المجتمع عبر استراتيجية فعلية تطال التوظيف وتحقيق مبدأ “تكافؤ الفرص” وفي سابقة تحدث لأول مرة اضطرت فرنسا لتفعيل قانون “التمييز الإيجابي “Discrimination positive لعام 1987 الذي وضع أصلا لحماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ليشمل أصحاب تلك المطالب. وفي رأينا أن الحل الأمثل لأزمات كهذه هو تشكيل فريق عقول Brain team يرسم الخطط المستقبلية ويقدم النصح والاستشارات عبر خبراء ميدانيين، يتم ذلك عبر تقارير ترفع إلى الجهات السياسية المخولة.

متخذ القرار

ويعول عليه في الخروج من الموقف الأزموي، على اعتبار أن الحدث تحد له ولكيانه الإداري. وهو مدير الفريق الذي يعاين عن كثب تطورات الأمور ويقرر الاجتماعات الطارئة تحت ما يسمى “خلية أزمة” بالاتفاق والتنسيق مع مديري الإدارات الذين يتدخلون للإدلاء بآرائهم ومقترحاتهم بل وهو من يلزمهم بإعطاء الحلول لتجاوز مرحلة الخطر الداهم .
وحتى لا يكون التعامل مع الموقف وفق مبدأ “الفعل ورد الفعل” يتعين على الإدارات في مجملها أن تعمل تحت إدارة فريق إدارة الأزمة فتزوده بالمعلومات الكافية كما أن فريق إدارة الأزمة يجب أن يكون شفافا وفعالا فينبه إلى الأخطار المحدقة بالكيان الإداري.
وفي مسعى لمحاربة القرارات الفردية، ينبغي أن يتم العمل بناء على ثنائية “لا مركزية التنفيذ” و“مركزية القرار” من خلال تفويض الصلاحيات والسلطات حتى يخف العبء على “ متخذ القرار”.
وعلى النقيض من متخذ القرار الناجح فإن “مدير الفريق الفاشل“، يرى في الإفصاح عن الأزمة ونتائجها خطرا يتهدد كيانه ونذير نهايته فيلجأ إلى أسلوب الإخفاء سواء عن الموظفين أو وسائل الإعلام ويميل إلى دس رأسه في التراب بدل التحرك لفعل شيء.
إن “متخذ القرار” في الأنظمة غير الديمقراطية شخص سلطوي يعتقد أن الكيان الإداري جزء من شخصه وجانب من مصالحه فهو وصولي يضحي بالآخرين من أجل تحقيق مآربه .
في ظروف كهذه تصبح عوامل الخبرة حتمية في اختيار من يقوم بمهمة مدير فريق الأزمة كما أن التدريب الدائم هو إحدى السبل الكفيلة بتحقيق الاستعداد لمواجهة الأزمات الطارئة.. في المؤسسات الأوروبية عند التوظيف للمهام القيادية مثلا، تطرح على المتقدم للوظيفة أسئلة محرجة منها: تصوره للحلول الممكنة لأزمة ما ضربت المؤسسة أو قد تضربها في المستقبل.

مواصفات مطلوبة في مدير الفريق

المرونة واللباقة مع فريق العمل هي العنوان الكبير الذي يجب أن يؤطر عمل الطرفين للابتعاد عن كل دواعي المجاملة والمحاباة .
حرية الحركة والتنقل عبر السفر إلى بلدان عرفت أزمات مشابهة، فالولايات المتحدة الأميركية أرسلت عددا من الخبراء الأمنيين إلى الجزائر بعد أحداث 11 سبتمبر للاطلاع على خبراتها في محاربة الإرهاب.
تفويض المهام والمتابعة الدقيقة فمن هو في ساحة المعركة ليس كمن يقوم بالتنظير من غرفة إدارية.
تطبيق سياسة “الباب المفتوح” لأن هذا الحل هو أنجع الطرق الوقائية لخلق التفاعل الكافي بين أطراف العمل.

جهاز الإعلام والاتصال

حتى يكون متخذ القرار على دراية بما يجري حوله، يجب أن يحكم قبضته على الجهاز الإعلامي، فخلية الاتصال، المندرجة تحت إدارة فريق الأزمة تتابع الأحداث أولا بأول وترفعها إلى المدير.
إن إعلام الأزمات هو أداة فاعلة في إخمادها أو صناعتها أو التأثير في مجرياتها، ووجود الخلايا الإعلامية في دولة المؤسسات يعني شفافية التعامل والطرح والمعالجة. وعلى النقيض من الأنظمة أعلاه نجد أن الأنظمة الاستبدادية تنشئ خلايا إعلامية هدفها حماية النظام والترويج له بمختلف الوسائل الدعائية على حساب الهدف الأصلي الذي شرع وجودها وهو شمولية المعالجة وواقعيتها.
في حالة الموقف الازموي يرتبط الجهاز الإعلامي، بمراكز الاستشراف والتنبؤات عبر رصد “نزاع سياسي..” في الحالة الأولى والكوارث الطبيعية في الثانية بالاتصال بين مختلف الهيئات حتى خارج الكيان الإداري للاطلاع سواء من خلال شروح مبسطة للعوام أو من خلال تقارير تحليلية تطلب من خبراء وبثها سواء عبر التلفزيون أو تنشر في الجرائد والمجلات أو مناشير ومطويات للتوعية توضع داخل المباني أو الطائرات والبواخر.
ويجب ملاحظة أن الأزمة تستفحل عندما ينعدم الاتصال، ففي الأزمات السياسية يكون الاتصال عبر مبعوث رسمي أو وساطة خارجية أو عبر آليات الاتصال المعروفة، المهم أن قنوات الاتصال يجب أن تكون مفتوحة عبر اعتماد الأسس الدبلوماسية وفق مقولة وزير خارجية أميركا الأسبق كيسنجر “تحدث بلطف وبيدك عصا غليظة “.
وأثناء حدوث كارثة طبيعية مثلا فإن خلية الإعلام وعبر مركز اتصالات تزود المنكوبين أو عائلاتهم بالإرشادات الضرورية لسلامتهم .

الحيل الدفاعية

من بين الأساليب المعتمدة في مواجهة الأزمات الركون إلى الامتصاص حتى يمنع تفاقم الوضع ومن أجل تحسيس صانع الأزمة بأهميته وإرضاء لغروره من خلال الاستجابة للمطلب سياسيا كان أو اقتصاديا حتى توجد الآليات لحجب السياقات المشجعة على بروز الأزمة مجددا.
الأساس الذي يرتكز إليه هنا هو التخطيط الاستراتيجي عن طريق (تحديد وتقييم المخاطر-تحديد الموارد المتاحة-وضع سيناريو مواجهة الأزمة- تدريب الأفراد والمجموعات – تقييم تجربة المواجهة بعد حدوث الأزمة) (إدارة الأزمات: التخطيط لما قد لا يحدث. سلسلة مركز الخبرات المهنية للإدارة، العدد 37 القاهرة، 2002، ص 65).

السقف الزمني

مباغتة الكارثة أو الأزمة تضع متخذ القرار على المحك، فسرعة التنفيذ وصواب القرار جانبان مهمان يحددان نجاح الكيان الإداري أو فشله، فالمريض الذي اعترضته أزمة قلبية يجعل الطبيب في حيرة وعليه اتخاذ القرار الصائب والأسرع لاحتواء خشونة الموقف وإلا كان مصير المريض الموت.
الخبراء يرون أن أمام الكيان الإداري ثلاثة أيام لمعالجة الموقف الأزموي، وفي حال الفشل تعرض كيانه إلى الدمار. الإدارة تتصرف بالفورية المطلوبة مجابهة لتصاعد الحدث فتوقفه أو تبقي عليه أو تحرمه من أي روافد جديدة على حين أن افتعال أزمات يقوم على صناعة الحدث الأزموي والعمل على تصاعده.

صنع الأزمات

في كثير من المؤسسات والأنظمة يبرز ما يسمى “حرب المواقع” بين من يترصدون حدوث الأزمة لإسقاط الكيان ومنهم أصحاب المصالح ، فقوى الأزمة تجتاح دفاعات الكيان.. النازيون قبل اجتياح بولندا، افتعلوا أزمة تصور الغزو الألماني على أنه دفاع عن النفس، بدأت الأزمة قبل ليلة 1/9/1939 فأخذت القوات النازية 12 سجينا بولنديا من معسكر اعتقال قرب برلين وألبستهم ملابس الجيش البولندي ثم أطلقت عليهم الرصاص وبثت الحادثة في التلفزيون بإشراف من وزير الدعاية الألماني آنذاك جوزيف غوبلز، على أنها اعتداء ضد ألمانيا فكان أن زحفت دبابات هتلر صوب بولندا.
في هذا السياق يجب أن تخضع عملية التحقيق في الموقف الأزموي لكشف دقيق للأسباب والدواعي التي قادت إلى اندلاع الأزمة وهنا فإن الحصول على المعلومة غير مبتورة يقود نحو التحري الدقيق والتروي في إصدار الحكم. في 10 يناير 2011 طردت شركة رينو الفرنسية ثلاثة من كبار موظفيها بعد أن تلقت رسالة مجهولة الهوية تتهم الثلاثة بأنهم يتجسسون لصالح شركة يابانية ويرسلون معلومات إلى الشركة المنافسة. القرار كان سريعا، وبعد التحقق تبين أن الأمر محض افتراء، ليصار إلى إعادة الموظفين الثلاثة إلى مناصبهم ويقدم خمسة آخرون استقالاتهم من بينهم المدير العام، بسبب عدم التحري والدقة.

الهدف العلمي من إدارة أزمة هو الحفاظ على سلامة الكيان الإداري حيث لا تكون الأزمة سببا في حدوث شرخ يؤدي إلى انهيار النظام بالكامل.لكن وضع النظام الوقائي هو أهم ما يمكن اللجوء إليه لمعالجة ما يترتب على الأزمة وإحداثياتها باعتماد التخطيط الاستراتيجي المسبق .كما أن الموقف الأزموي يجب أن يتم التعاطي معه بعيدا عن قانون “الفعل و رد الفعل” أخذا بعين الاعتبار السقوف الزمنية الكفيلة بتجاوز الضغط الأزموي و اعتماد ثنائية “مركزية القرار” و “لا مركزية التنفيذ” .

عيسى بوقانون

شارك هذا المقالمحادثة

مواضيع إضافية

شاهد: مقتل 42 شخصاً على الأقلّ في فيضانات في هايتي

شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل هز تايوان

بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوان