يشكل الخطر عند النساء مزيجاً من العوامل البيولوجية والهرمونية طوال سنوات الإنجاب، من أبرز هذه العوامل ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، بما في ذلك حالات ارتفاع ضغط الدم الحملي وتسمم الحمل.
تُعد السكتة الدماغية واحدة من أبرز أسباب الإعاقة على مستوى العالم، إذ تفرض عبئاً كبيراً على الأسر والأنظمة الصحية والمجتمعات. ولم تعد هذه الحالة الصحية مقتصرة على كبار السن، فقد باتت تصيب فئات شابة في أكثر مراحل العمر إنتاجية، مما يعرقل العمل والحياة الأسرية ويؤثر على رفاهية الإنسان على المدى الطويل.
وفي الولايات المتحدة، تسجّل النساء حوالى 55 ألف حالة سكتة دماغية إضافية سنوياً مقارنة بالرجال. ويرتبط هذا الفارق جزئياً بطول متوسط العمر لدى النساء، لكنه يرتبط أيضاً بنتائج صحية أسوأ ونوعية حياة أدنى بعد الإصابة. وعلى المستوى العالمي، تُسجَّل السكتة الدماغية لدى النساء بمعدلات أعلى من الرجال دون سن الخامسة والعشرين.
العوامل البيولوجية والهرمونية وتأثيرها على الخطر
تتشكل مخاطر السكتة الدماغية لدى النساء نتيجة مزيج من العوامل البيولوجية والهرمونية الممتدة عبر سنوات الإنجاب. ويبرز ارتفاع ضغط الدم خلال الحمل، بما في ذلك ارتفاع الضغط الحملي وتسمم الحمل، كأحد العوامل الرئيسية. فعادةً ما يتطور تسمم الحمل بعد الأسبوع العشرين، ويترافق مع ارتفاع ضغط الدم وتلف في الأعضاء، غالباً الكلى أو الكبد. وهذه الحالات تزيد من احتمال الإصابة بالسكتة الدماغية خلال الحمل وبعده، لأن ارتفاع ضغط الدم قد يضر بالأوعية الدموية التي تغذي الدماغ.
وسائل منع الحمل الهرمونية: فوائد ومخاطر
تؤثر بعض وسائل منع الحمل الهرمونية في خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وإن لم تكن جميعها تزيد هذا الخطر. فالقلق الأكبر يرتبط بحبوب منع الحمل المركبة التي تحتوي على الإستروجين والبروجسترون، إذ يمكن أن ترفع ضغط الدم وتزيد احتمال تخثر الدم. ويتضاعف الخطر لدى النساء المدخنات، وفوق سن الخامسة والثلاثين، واللواتي يعانين من الصداع النصفي. في المقابل، لا ترتبط وسائل منع الحمل المعتمدة على البروجسترون فقط بالمستوى نفسه من الخطر. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 248 مليون امرأة حول العالم يستخدمن موانع الحمل الهرمونية.
سن اليأس والعلاج الهرموني البديل (HRT)
خلال سن اليأس، تنخفض مستويات الإستروجين، وهو الهرمون الذي يساعد في حماية جدران الأوعية الدموية ودعم مستويات كوليسترول صحية. ومع انخفاض مستوى الإستروجين، تصبح الأوعية الدموية أكثر صلابة وعرضة للتلف، مما يزيد خطر السكتة الدماغية.
ويُستخدم العلاج الهرموني البديل "HRT" أحياناً لتخفيف أعراض انقطاع الطمث. لكن بعض أشكاله، خصوصاً تلك التي تحتوي على الإستروجين، ارتبطت بزيادة طفيفة في خطر السكتة الدماغية، لاسيما لدى النساء الأكبر سناً أو اللواتي يبدأن العلاج بعد سنوات طويلة من انقطاع الطمث.
الصداع النصفي وأمراض المناعة الذاتية
النساء أكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، لا سيما ذلك المصحوب بالهالة، والذي يرتبط باضطرابات مؤقتة في تدفق الدم إلى الدماغ، مما يزيد من خطر السكتة الدماغية. كما أن الأمراض المناعية الذاتية، مثل الذئبة (Lupus) والتهاب المفاصل الروماتويدي، أكثر شيوعاً بين النساء، وتسبب التهاباً مزمناً يسهم في تضييق الأوعية الدموية وإضعافها، ما يجعل السكتة الدماغية أكثر احتمالاً.
الحمل: ضغط مضاعف على الدورة الدموية
يشكل الحمل عبئاً إضافياً على القلب والجهاز الدوري، إذ يزداد حجم الدم، وتتقلب الهرمونات، ويصبح الدم أكثر قابلية للتخثر. وبحسب أبحاث جمعية القلب والسكتة الدماغية الأميركية، فإن المرأة الحامل أو التي وضعت حديثاً أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للإصابة بالسكتة الدماغية مقارنة بالنساء في العمر نفسه غير الحوامل.
وتبرز كذلك فجوات كبيرة بين الأعراق. ففي إنجلترا، النساء ذوات البشرة السمراء أكثر عرضة للوفاة بسبب مضاعفات الحمل بأربع مرات مقارنة بالنساء ذوات البشرة البيضاء. كما تواجه النساء الآسيويات ومن خلفيات مختلطة درجات أعلى من الخطر، وفق تقرير MBRRACE UK الخاص بجودة رعاية الولادة.
وفي الولايات المتحدة، تموت النساء ذوات البشرة السمراء بسبب مضاعفات الحمل بمعدل يقارب ضعف معدل النساء ذوات البشرة البيضاء، ويرجع ذلك إلى التشخيص المتأخر، وعدم المساواة في الوصول إلى الرعاية، وارتفاع معدلات ارتفاع ضغط الدم والسمنة وتسمم الحمل.
أعراض السكتة الدماغية لدى النساء: حالات يسهل تجاهلها
غالباً ما تُغفل أعراض السكتة الدماغية لدى النساء، رغم تشابه العلامات الأساسية مع الرجال، مثل تدلي الوجه وضعف الذراع ومشاكل النطق. لكن النساء أكثر ميلاً للإبلاغ عن أعراض إضافية تشمل الصداع، التعب، الغثيان أو الارتباك، وهي أعراض قد تُفسَّر خطأً على أنها توتر أو صداع نصفي أو قلق.
وفي كثير من الحالات، تُصنَّف هذه الأعراض على أنها حالات "تشبه السكتة" وليس سكتة دماغية فعلية، مما يؤدي إلى تأخير التشخيص والعلاج، وقد ينتج عن ذلك إعاقة طويلة الأمد أو وفاة.
النزف تحت العنكبوتية: سكتة أكثر شيوعاً لدى النساء
النزف تحت العنكبوتية هو سكتة دماغية ناجمة عن نزيف حول الدماغ، غالباً بسبب تمزق تمدد وعائي. ويظهر عادةً بصداع مفاجئ وشديد للغاية لا يتحسن بالمسكنات. وهذا النوع أكثر شيوعاً لدى النساء، ويرتبط بانخفاض مستويات الإستروجين بعد سن اليأس، الذي يؤدي إلى ضعف جدران الشرايين الدماغية وزيادة احتمال تمزقها، خصوصاً لدى النساء اللواتي بلغن سن اليأس مبكراً قبل سن الثانية والأربعين.
فجوة معرفية وحاجة لاستراتيجيات وقائية مخصصة
تتحمل النساء عبئاً غير متناسب من السكتة الدماغية عالمياً. فالعوامل الهرمونية والإنجابية والاجتماعية جميعها تسهم في تضاعف الخطر. كما تواجه النساء من الأقليات العرقية مخاطر أكبر بسبب عدم المساواة في الرعاية الصحية، وارتفاع معدلات الأمراض المصاحبة، وتأخر التشخيص.
ورغم ذلك، تستمر فجوة كبيرة في المعرفة، فالكثير من عوامل الخطر الخاصة بالنساء غير مفهومة بما يكفي، كما أن النساء ممثلات بشكل ناقص في الأبحاث السريرية، مما يجعل الإرشادات العلاجية غالباً قائمة على بيانات مستمدة من الرجال.
وتشير التجارب الطبية إلى أن تحسين النتائج يتطلب استراتيجيات وقائية شاملة، حساسة ثقافياً، ومصممة خصيصاً للنساء في مختلف مراحل الحياة. كما أن التعليم، والتعرف المبكر على الأعراض، وتوفير وصول عادل إلى الرعاية الصحية، تمثل عناصر أساسية للحد من التأثير العالمي للسكتة الدماغية وتقليل الفجوة بين الجنسين.