مع مرور الزمن، توسعت شهرته لتصل إلى كافة أوروبا، ونسجت حوله الحكايات الخارقة، من التحكم بالطقس إلى الظهور في أحلام الإمبراطور، وكأن شيئاً لا يقف في طريق عطائه.
من المؤكد أننا لم نعد نستطيع تخيّل عيد الميلاد دون الرجل الضخم ذي اللحية البيضاء، الذي يجوب العالم في عربة تقودها غزلان مجنحة، ويتسلل خلسة عبر المداخن ليضع الهدايا تحت الشجرة للأطفال الذين أحسنوا التصرف طوال العام.
لكن رغم ارتباط شخصية "سانتا كلوز" أو "بابا نويل" بهذا العالم السحري البريء، وإسهامها في جعل أجواء العيد أكثر دفئاً وفرحاً، تبقى القصة الحقيقية لهذا العجوز المحبوب مثيرة للإعجاب والفضول، وتختلف كثيراً عن الصورة التجارية المنتشرة اليوم.. فمن هو سانتا كلوز الحقيقي؟ وكيف تطورت قصته على مر القرون؟
أصل الشخصية
تعود أصول هذه الشخصية إلى قديس بيزنطي وُلد عام 270 ميلادي في منطقة ميرا (تركيا حاليًا)، يُدعى نيقولاوس، تحول عبر القرون وبفعل الأساطير والقصص التي نُسبت إليه، إلى الشخصية التي نعرفها الآن.. لكن كيف؟
يُروى أن نيقولاوس سُجن في عهد الإمبراطورية الرومانية بسبب رفضه عبادة آلهة الحاكم، وقضى ما بين ثماني إلى عشر سنوات في السجن يعاني التعذيب.
إلا أن تلك السنوات الصعبة لم تنتزع إنسانيته، بل زادته تعاطفاً وتفانياً في خدمة المحتاجين، حيث اشتهر بتقديم المساعدات المالية والهدايا للفقراء سراً تحت جنح الليل، وقام بوهبهم ثروته.
ومع مرور الزمن، توسعت شهرة القديس لتصل إلى كافة أوروبا، ونسجت حوله الحكايات الخارقة، من التحكم بالطقس إلى الظهور في أحلام الإمبراطور، وكأن شيئاً لا يقف في طريق عطائه.
ثم انتقلت سيرته إلى الولايات المتحدة مع ما حمله إليها المهاجرون الهولنديون إليها، وهناك تطورت القصة تدريجيًا إلى شخصية "سانتا كلوز" برموزها المعروفة اليوم.
مع ذلك، يحفل تراث نيقولاوس بمواقف شجاعة وأعمال بطولية، مثل تلك المذكورة في المصادر التاريخية مثل "المكتبة الهاغيوغرافية اليونانية" التي تحكي كيف وقف بوجه ظلم الحكام وأنقذ ثلاثة أبرياء من حكم الإعدام بمواجهته الجلاد بنفسه، ما يجعل من شخصيته أعقد وأعمق من مجرد رجل طيب يوزع الهدايا على الأطفال.
كيف استغلّت الشخصية في التجارة؟
سابقًا، كانت احتفالات عيد الميلاد تحمل طابعًا دينيًا صارمًا، حتى إن عادة تبادل الهدايا لم تنتشر إلا في القرن التاسع عشر، عندما أصبح بالإمكان تفسيرها وتبريرها دينيًا باعتبارها مستمدة من الرموز الواردة في الكتاب المقدس.
غير أن التحول الأكبر جاء مع ظهور المتاجر الكبرى في سبعينيات القرن التاسع عشر، والتي مهّدت الطريق للثقافة الرأسمالية التي نعيشها.
فالتصنيع السريع في أواخر القرن التاسع عشر سمح بالإنتاج الواسع للسلع بكميات كبيرة، وكان على تلك المتاجر العملاقة التي تملأها البضائع أن تجد أسواقاً لتصريفها.
وقد تجذرت الصورة التجارية الحديثة لـ"سانتا كلوز" في ثلاثينيات القرن العشرين، عندما قامت شركة كوكاكولا بنسج صورة له، ضمن واحدة من أنجح الحملات التسويقية في التاريخ.
ففي عام 1931، كلفت الشركة الفنان هادون سوندبلوم بتصميم صور لسانتا لحملتها في مجلات مثل The Saturday Evening Post وThe New Yorker. واستوحى سوندبلوم تصميمه من وصف الشاعر كليمنت كلارك مور في قصيدته "ليلة قبل عيد الميلاد" (1822، وهكذا وُلدت الصورة الشهيرة لسانتا كلوز: رجل أبيض اللحية، ذو خدود وردية وابتسامة دافئة.
وبحلول منتصف القرن العشرين، أصبحت شخصية سانتا راسخة تماماً في وجدان عيد الميلاد، عبر عدد لا يحصى من الأفلام والأغاني والإعلانات التي عززت مكانته كرمز للموسم.
وقد ساهمت الصورة التجارية الجذابة لـ"سانتا" - الذي كان في أصوله قديسًا مناصرًا للفقراء - في تحفيز الاقتصاد الاستهلاكي وازدهاره، خاصةً مع ارتفاع دخل الأسر وانتشار الرفاهية النسبية بعد الحرب العالمية الثانية.
ومع حلول نهاية القرن العشرين، طغت أيقونة "بابا نويل" التسويقية العالمية بشكل شبه كامل على جذوره الإنسانية والتاريخية، لدرجة أن قلةً قليلةً باتت تتذكر القصة الأصلية لذلك القديس.